الحب وقطار العمر
بادرني صديقي قائلا :أما زالت لديك المقدره علي الحب
في هذا العمر؟!
الذي بدأت أوراقه تنذوي وثماره تجف وقواه تخور ألم تدرك
يا صاحبي أنك مقبل علي أخر فصول العمر..
الخريف وما أدراك ما الخريف
فأجبته دون كلمات مشيرا بإبهامي إلي موضع القلب في صدري ثم قلت له :لو كنت تؤمن مثلي بسطوة الحب وسلطانه لأدركت أن العمر الحقيقي لا يحسب ولا يعد بالسنوات والشهور والأيام وإلا فما معني أن تجد فتي في ميعة الصبا وقد إتسمت عليه تجاعيد الزمن بينما قد تلمح النضاره والحيويه تشعان من وجه شيخ تجاوز الستين وربما السبعين إن الفارق بينهما يا صديقي إنما يتمثل فيما يحمله كل منهما من تفائل وأمل وإشراق وكلها معان وصفات لا يعترف بها إلا هذا الساحر القاهر الذي يسلب النهي ويستعمر الوجدان ألا وهو الحب أضف إلي ذلك أن الحب قد لا يحتاج إلي ملكات شاعر محترف قدر حاجته إلي مشاعر عاشق صادقه ونفس شفافه ووجدان سليم .رد صديقي :أيعني هذا أننا عندما نحب يجب أن نسقط من حساباتنا عنصر الزمن ؟! قلت : لا أحد يستطيع أن يتجاهل أثر الزمن أو ينكر أهمية العمر ولكن كليهما في أعتقادي عابر الأثر نسبي الأهميه فالعمر أشبه بالقطار الذي يسير بإنتظام ويتوقف في محطات محدده أما الحب فهو الذي عليه أن يستقل هذا القطار ولكن متي وأين ؟ لا أحد يدري
فمحطات القطار أقرب ما تكون شبها بفصول العمر
فعندما يداهمنا الحب أو يفاجئنا يمكن عندئذ أن نحدد المحطه التي نقفز خلالها إلي مرتبة القطار وقد يحدث في باديء الرحله ويكون العاشق علي موعد مع الحب عندما يعلن الربيع عن قدومه وقد لا يدرك القطار إلا متأخرا وهو علي أبواب الخريف ..هذه التأملات التي قد نختلف أو نتفق عليها أيها الصديق العزيز
قال صديقي وكيف يمكن للمرء أن يدرك أن قلبه لا يزال ينبض ومشاعره تتحرق وأحاسيسه قد بدأت تعزف لحنا مختلفا ومميزا عن كل ما عداه؟
قلت له : عندما يغشاك الحب فأنت غائب حاضر زاهد راغب قوي ضعيف يقظان وسنان قانع طامع مقبل علي الحياه طكفل في أعوامه الأولي ..مدبر عنها كشيخ طاعن
إنك تصبو وتسعي إلي الشيء ونقيضه في ان واحد
قال لي : وهل تقرأ ذلك
قلت له : أنت صديقي منذ عشرات السنين ألم تقرأ ذلك في عيني أو تلمحه في قسماتي أو تلمسه في سكناتي ولفتاتي ..
الحب هو تلك الشمائل التي يكتسبها صاحبه ويكتسبها صاحبه ويكتسي بها وليست الصفات التي تميزه وقد عبر عن ذلك قديما أمير الشعراء حين قال :
وعندي الهوي موصوفة لا صفاته إذا سألوني ما الهوي قلت ما بيا
قال صديقي : وهل تستحق إمرأه ما أن تستحوذ علي كل هذه المشاعر والأحاسيس وهل تختلف كثيرا عن هؤلاء اللواتي أمطرتهن شعرا وأشبعتهن نثرا وإطراء ومديحا
قلت له برغم أن لكل إمرأه سجاياها ومعجمها الجمالي الخاص بها إلا أنني أقسم وأجزم لك بأنها الأولي والأخيره في عالم النساء والتي يحق لها أن تتربع علي عرش القلب المكلوم الذي أنهكته التجارب الفاشله وأرقته اللقاءات العابره وعذبته الذكريات التي لا طعم ولا لون ولا رائحه لها لا شك أنها إنسانه لها بعض عيوب وأخطاء البشر ولكنني أراها بعين الحب التي لا تخطيء وقلب العاشق الذي لا يكف عن الخفقان ودموع الراهب التي لا تجف
لقد أعادت إكتشافي وأعادتني إلي الحياه أنني لا أنام إلا وهي وهي ساكنه بين أهدابي ولا تصحو إلا لكي أستبق الخطيء إلي عالمها الأثير المثير إنك لن تدرك معني الجمال إلا إذا تذوقته ولن تعانق السحاب إلا إذا لمست نجوم الحب بيديك وحملتها بين كفيك وصنعت منها عقدا جميلا تزين به جيد حبيبتك
ولا يهم أن يكون ذلك في مطلع الربيع أو عند حافة الخريف فالحب يمكن أن يلحق بقطار العمر في أية لحظه وفي أي مكان وطالما أن القلب مازال مفعما بالدفء والخفقان وطالما أن الروح لا تزال حالمه سابحه في ملكوت الغيب وسحابات الأشجان