إبراهيم القهوايجي :
الطائر الذي لم يكلمني..
قبل أن تبزغ في سمائي نجما
كنت أرقبه..
توقد في فجيعة الانتظار،
والموت يتنزه قربي ،
يتحرش بالبرعم
الذي نام في فراش اليأس..،
ومرات بالمارين من الفقراء،
ومرة بالأغنياء..
قبل أن يزهر برعم الدم فيك
تصعد من تفاصيل الغياب
ريحا تتسكع في ذاكرة اليباب.
قبل أن تطويك الريح
يأتيني الحزن منتشيا
بذاكرة الزهرة المغتالة
على مداخل الربـاط ،
لكن ، وأنا أرقبك
أموت..
محلقا في مشفى عزلتي
أجمع ما تساقط من حزني
في مياه حياتي
******
جمعت أسرارك
ثم خبأتها في المشفى ،
وأنا خلفك في الليل
أرمي شباك النظر
ثم أطعم أفكاري للغيم
الجاثم على صدري..
وأنت تتهيأ لأكل الطين.
كان التراب واقفا..
أمام مدخل المارستان
يرتب أغنية الرحيل،
ويروض عرش الغياب..
وأنا عار
كنخلة تنتحب في الصحراء ،
وعند جذعها تناوحت
فراشات
وعصافير
وخرائب الأفق..
******
في أول مسعى إليك
خطوت..
حين رأيتك تبتهل للموت العاجل
هرعت إليك،
وأنت محاصر
بالهواء البخيل على رئتيك..
بكيت ليل وحدتي ،
ليل المشفى والمدينة
المحاصر بأشباح الموتى
في كل مكان..
وبعد هنيهة
قال صوت :
الطائر الذي لم يكلمني
طار إلى جنة الأعالي
******
هجعت بين أغاريد الأصيل
وزغاريد العويل
بعدما غطيتك بنبضي
وزهر الياسمين،
وأنت ترتدي ملابس الخريف
كفنا ،
وتمضي باتجاه الثلث الخالي
لتؤسس عرشك مع التراب..
أنت في قبرك تنام
وأنا في رمادك أتألم.
يصحبني ألمي
فأنجب مسافات للغربة،
وأمك ترتب تجاعيد حزنها
في المرآة ،
وتفتح في القلب مواجع للذكرى ،
تتجلى في عيونها الذابلة
وشفاهها اليابسة،
تذبح الكلمات
مثل ليلها.
لم تحتس من نهر البراءة
رشفة..
ومن مقبرة الأيام
ترمي للريح بقاياك،
وأنا ما بين أرصفة الشوارع
ودخان المقاهي
أحتسي موتي
الممزوج بعصير الحزن،
وأقواس السحاب
تنثر فوقي
سقفا من الغبار
والنار.
******
كان عرسك
ترابا وحجرا،
وميلادك
حفلا رتلت فيه أوجاعي،
والشمس تخلع عباءتها
والقمر الساهم
يحفر في أعماقي
بئرا من الأوجاع
حزنا على
طائر لم يكلمني
وطار إلى جنة الأعالي.
تبيت ذكراك ترحل
بين باحة المشفى
وزحمة المقبرة
دونما جدوى
حتى تتلاشى في أفق الرؤيا.
بين قلبك والمدينة
تقرأ الريح سلامها
وتكتب حكايا الغيب..
وأنا أقرأ على روحك
سورة الحمد
ودعاء العابرين إلى منفاهم..
هي ذي الحياة
صرخة يتناسل
من جمالها الموت
مساحة للحب
على نعش الحزن..
إبراهيم القهوايجي – مكناس / سبع عيون في 11/10/2005
ع386ث3
هبةقشى