=واهم وابنها الطبيب|إبحار في كتاب|منتديات إبحار بلا مركب|إبحار بلا مركب

Forum Scope


Match



Forum Options



Min search length: 3 characters / Max search length: 84 characters
Forum Login
Lost password?
=واهم وابنها الطبيب
أفاتار (الصورة التعريفية)
فتحي
4 Posts
(Offline)
1
الأحد 3 محرم 1431مساءً19 20-12-2009مساءًالأحد -
Print

بسم الله الرحمان الرحيم
دواهم وابنها الطبيب
دْواهمْ منطقة ريفية نائية معزولة جدا حتى عن المواصلات. تتالت عليها سنوات القحط وصعبت بها الحياة، ففر منها أبنائها إلى مناطق أخرى، أين تتالت عليهم سنوات الخصب، وابتسمت لهم فيها الحياة فتزاوجوا وتكاثروا. وبأرض غير أرضهم تشبثوا. يعطونها العرق فتعطيهم النسل.
غير أن ابن وحيد من أبنائها عاد إليها، بعد أن كان قد خرج منها صغيرا يلاحق حلقات العلم والمعرفة في أرض بعيدة مزدهرة متقدمة جدا.. عاد إليها باحثا معلما وطبيبا مداويا، وهو في ريعان الشباب محملا بأسرار النجاح وحب لا يوصف لأرضه وأهله، وحب مبالغ فيه لبحوثه، معتقدا أنه لا يوجد على وجه الأرض غيره من يستطيع القيام بهذا العمل.. لكنه لم يجد فيها أحدا فالتحق بأهلها مسخرا فترة من حياته لإقناعهم بالعودة إليها، وأن هناك مستقبل كبير ينتظرهم.. وهم الذين فروا من نائبات الدهر.. حتى أقنع منهم عدد لا بأس به بعد جهد جهيد، ومكائد تعلمها قبل رجوعه.. فوجد أن أمراض قد تفشت فيهم. أمراض خطيرة وبلاوي عظيمة.. ثم هو ليست مهنة الطبيب هي الأساسية التي رجع من أجلها لأرضه.. ووجد نفسه طبيبهم الوحيد، ومعالج كل أمراضهم التي وجدها قد تفشت فيهم. لذلك عمل على أن تكون عيادته مفتوحة ليل نهار.. فأضحت تعجّ بمرضى يعالجهم مجانا في بعض الحالات فهمّه ليس جمع المال كما الأطبّاء في المناطق الحضرية المتقدمة.
كما سلف الذكر بأن ليست مهنة الطبيب هي الأساسية التي رجع من أجلها لأرضه.. هو بارع في الحبك والتهييج.. وكان يريد أن يعلمهم فن التأويل.. وكتابة المستحيل.. وحب حياة المساكين.. لكن أتعبه حالهم فانشغل بططبيبهم، جاعلة منه إنسانا إنسانيا إلى أبعد الحدود.. وحسب درجة إنسانيته، حدد أهدافه في الحياة.. إنّها التضحية التي لا ينضب معينها من أجل معالجة أهله من الأمراض الخطيرة.. لكنّه اكتشف أنّ أمراضهم غريبة عمّا درسه.. فكلّ السكّان يعانون من حدّة البصر يرون ماوراء الستار.. فحتى المتقدمين في السنّ منهم لم يضعف الدهر بصرهم.. وعيونهم لا تنام.. بل أصبحوا رجال اليقضة.. لذلك عمل الطبيب جاهدا على صنع مستحضر يقضي نهائيا على هذا المرض.. ولمّا أكمل صنعه سمّاه "القطران".. لأنّ هذا المستحضر يزيد العيون سوادا وجمالية.. وليس مهمّا أن يجعلها أيضا لا تبصر.. فالعمى في ذلك العهد نعمة للمساكين، "لا عين ترى لا قلب يمرض"..
وما إن كاد يطمئنّ على شفاء قلوب أهله، حتى اكتشف الطبيب البارع أن القلوب لا تمرض فقط لما تراه العين.. بل يمكن أيضا أن تمرض لما تسمعه الأذن.. فازداد حرصه على ضرورة توفير الشفاء التام لقلوب أهله.. خاصة وأنّ اتساع ممتلكاتهم، وبعد سكنهم، وتعوّدهم على مخاطبة بعضهم بعضا عن بعد، قد أصاب حناجرهم بمرض خطير جدا.. فأصبحت أصواتهم قويّة خشنة.. وأصبحوا عاجزين عن التهامس.. حتى أنّك تخال الواحد منهم وهو يحادثك كأنما يسعى إلى الخصام العام، مما يقلق راحة بعضهم البعض.. ولكل واحد منهم قصص تدمى القلوب لسماعها.. لذلك سهر الطبيب المسكين الليالي الطوال.. يخلط عقاقيره.. ويستشير أساتذته في المدن البعيدة عبر آلة اتصالات غريبة لم يسمعوا بها أهله من قبل.. ولا يملكها غيره.. حتى صنع مستحضرا يخفت الأصوات سمّاه "الكمامة".. وجرّبه عليهم فانتهى بهم إلى "البكم".. وهذا أفضل، إذ لا يسمع بعضهم سباب، فتنتهي الخصومات، ويكون "يمين البكوش في صدره".. لكن الطبيب البارع اكتشف أيضا أن هذا الدواء لا يكفي.. فقد تمزق سكون الأهالي أصوات الدواب.. أو حتى هبوب الريح.. ما داموا قادرين على السمع.. لذلك لا بد من دواء يخلّصهم من حاسة السمع أيضا.. وسرعان ما اكتشف مستحضرا آخر سمّاه "الطرش".. وأنعم به عليهم.. "سعدك يا لطرش"..
هكذا تلذذ الأهل نعمة الراحة.. وأصبحوا لا يملونها، بل أصبحوا يطلبون المزيد.. إنهم لا يقدّرون تضحياته.. ويريدون منه أن ينفق عمره في السهر على راحتهم سنين طويلة، وهو يكد ليخلصهم من آفات قاتلة كالسمع والبصر والكلام.. وعندما حقق ذلك بدأ الجميع يتأفف من راحة عقاقيره.. حتى حاسة الشم فيهم أصبحت تعكر عليه صفوه.. واقتنع الطبيب أخيرا بأن قدره أن يضحي بكل دقيقة من وقته في سبيلهم.. إنه يحب الأرض والبلاد كما لا يحب الأرض والبلاد أحد.. وهو في كل لقاء بهم حاضنهم إلى قلبه دائما.. ومن يحب البلاد عليه أن يسهر على راحة أهلها، ومن يقدر على ذلك سوى ابنها الطبيب.. وحكيمها الأوحد.. قاهر الأمراض وصانع المستحيل.. إنه عينها الساهرة.. وأذنها الصاغية.. ولسانها الناطق.. وعقلها المدبر..
فهل يمكن أن يتخلى عنها؟
سهر الليالي يفكر.. ولم يجد بدا من أن يقضي فترة أخرى من عمره في البحث عن دواء يحدّ به من حاسة الشم.. علّ دْواهمْ تنعم بالهدوء المطلق.. فأقفل باب مخبره على نفسه كالعادة ليصنع "مهشم الأنوف".. حتى لا يتأفف الأهالي من رائحة عقاقيره التي ملأت أرجاء أرضهم..
ما أجمل حياة الدجاج، لا تقلقها رائحة الأوساخ..!
هكذا إذا استطاع الإبن الطبيب أن يوفر لدْواهمْ وأهلها حالة هدوء وسكينة منقطعتي النظير.. لكنها ما شكرته يوما ولا نوّهت بمجهوداته.. ولما أراد أن يسرد عليها إنجازاته، اكتشف أن لا أحد قادر على رؤيته.. أو سماعه.. أو حتى التلذذ برائحة الفل والياسمين.. التي تلف خطاباته المدوية الرنانة..

Forum Timezone: America/New_York
All RSSShow Stats
Administrators: إبحار
Top Posters:
jana: 231
Hassanhegazy: 203
Ahmed Samy: 114
fatinn: 36
marwa: 35
nagham_n: 28
no way: 27
Awrad: 24
MONA AND MONA: 17
zarkaa: 16
Newest Members:
Forum Stats:
Groups: 1
Forums: 9
Topics: 2581
Posts: 16488

 

Member Stats:
Guest Posters: 0
Members: 6557
Moderators: 0
Admins: 1

Most Users Ever Online
415
Currently Online
Guest(s)
12
Currently Browsing this Page

1 Guest(s)