غرفة 207 !!|إبحار في كتاب|منتديات إبحار بلا مركب|إبحار بلا مركب

في ذلك المكان المجهز لأستقبال أجسادنا المتعبة ..بآلآمنا وأوجاعنا

غير المحتلمة ..مرضى من كافة الاعمار والطبقات كلهم..يتشابهون لأن

وجوههم تحمل نفس وجه الارهاق..فلقد عانوا الليلة الماضية بما يكفي

لذلك وجودههم هنا بأمر ملح…كراسي مليئة والاخرى خالية في ردهات الممر

الذي تبعث منه رائحة الكحل والمطهرات والتعقيم..طاقم طبي كملاك يرتدي

البياض ويسرع في الخطوات ..هواتف لا تتوقف عن النجدة ..وابواب مهملة

صار لها انينا من كثرة الاستعمال..في قسم معزل تماما من مناطق الازعاج

كنت من زواره في هذا القسم تشعر ببرودة الموت تتسلل اليك خفية

فتحاول الهاء نفسك بقراءة اللافتات واللوحات التحذيرية والارشادية

المعلقة هنا وهناك..قسم (امراض الايدز) هذا القسم تكاد تجزم بانه

لا يسكنه الا الاشباح ..اصوات انين وكأنها نابعة من بئر عميقة..

ممر خال من الزوار ..خال من الحياة ابواب متراصة كأنها توابيت مرقمة

ممرضة وحيدة تمشي عبر الممر وتنظر الي بنظرة مريبة..وعيناها تصرخ

بي ..مالذي اتى بك ايتها العابثة توقظين الاشباح؟؟

خفت ان تكون الممرضة ايضا شبح متخفي في جسد ملاك..دخلت غرفة 207

وخرجت منه كالطيف..لا تسمع وقع خطواتها اقتربت مني تتمعن فيي

هل انا روح هاربة من تابوتها لتتلصص على العالم الخارجي..

ام مجرد زائرة مغامرة ..؟؟؟

الممرضة…عفوا هل انت زائرة غرفة 207؟؟

انا…(المريضة سلمى) نعم

الممرضة…حسنا موعد الزيارة قد حان انتظريها بغرفتها

انا..حسنا اشكرك جدا

رحل طيفها سريعا واختفت..

دخلت غرفة سلمى كانت باردة كالصقيع هادئة جداككهف خفت ايقاظ الهدوء هنا

ستائر سميكه كغول عملاق يحجب اشعة الشمس..:كل شئ يذكرك بالموت

والخوف والوحده والبرودة… وكرسي ملقى في الزاوية مهملا من التنظيف

اخذته ومسحت الغبار عنه وقربته الى جانب سرير المريضة..

جلست اتأمل وجهها المطفئ الذابل وجسدها النحيل المتيبس..وكأنني امام

هيكل عظمي معجزته انه على قيد الحياة…

سلمى/ تتطلب مني ان اعدل جلستها و اشارت باصبعها نحو كاس الماء لترطب صوتها المخنوق

بللت ريقها الناشف..

انا/ اخرجت قلمي وورقي لتدوين حالة المريضة..

سلمى/ اوقفت حركة يدي بغضب..(اسمعيني فقط)..

نظرت الي عيناي بعمق..وتقول بشكل آلي( روحي المريضة تصرخ من الألم لكنني

اشعر بها احيانا تضحك علي ثم تغرق في دموعي ولا ينجدها الا المخدر..

أسير الى الموت بخطوات آلية وعيناي مفرغة من الحياة تماما

في شارع مظلم تدفعني بشدة الحياة وتصرخ بي ( اخرجي)

حاملة معها حقائب سفري المثقلة بالماضي والحاضر..مليئة باللحظات

الجميلة ومثقلة بمشاريعي والخطط في المستقبل طموح ونجاح واحلام وامال

وبالاتجاه المعاكس ارى مستقبلي يندفع نحوي بقوة فيرتطم بوجهي المجهد

فيتكسر الى فتات..ويهرب الحلم ويستقر عند الافق وتنطفئ شمعة الامل

الآن يا تلك الايام الجميلة تصبحين جلادي..ويا مستقبلي غول خرافي مسعور

خال من الحب والافكار والنبض..

سأزف قريبا الى الموت يأخذني من بين ذراعي الحياة ودفئها ..ماعاد يهم

الآن ان افعل شيئا او افكر او احب او اكره لأنني سابتعد وانتم تبتعدون

صامتين في موكبي الحزين وانا اسير اليه خاضعة..

سأتزوج من الموت والمهر غال الثمن (حياتي)

واقضي بقية ايامي في قصري المعتم (القبر)

قريبا سأكون تحت القاع بعيدة عن الاضواء والضحكات والنسمات الدافئة

ربما اشعر بكم تمارسون حياتكم بنهم..واصبح لديكم مجرد اسم ورمز معين

مجرد حكاية مجرد اثر وسيختفي..

هذة الذكرى ستلتهما الدود بعدما اكون قد اصبحت ذرات من التراب الطائرة

………..

سقطت يدها عني واغمضت مسرح عيناها ..وتساوى مؤشر النبض..

زرعت قبلة في رأسها وخرجت اسير بتثاقل عبر الممر وصادفتني الممرضة

تدف سرير سلمى ..لتدخلها الى غرفتها..

انا / لحظة من هذة؟؟

الممرضة/ سلمى التي تودين زيارتها وتدوين حالتها..

انا/ ولكن من تكون التي بالغرفة..

الممرضة/ لا يوجد أحد بالغرفة

انا/ احسست بغثيان ورحت اجري بالممر ..

الممرضة/ وسلمى؟؟؟

انا/ سآتي غدا لزيارتها…

الممرضة/ بتعجب كلكم تهربون ولا تعودون ؟؟؟

…………………………..

لافتة شعار مرضى الايدز..( أيها الناس حياتي لم تعد مثل حياتكم)

محاولة خيالية بسيطة عاجلة فقط لنتذكر اخواننا مرضى الايدز وانه يجب زيارتهم والوقوف بجانبهم