عندما تصبح الساعات ثوانٍ و الأيام دقائق
أرى عالماً فيه الكثيف لطيفٌ نقيٌ و رائق
عندها في لحظة ليست كاللحظات، يعود جزء مني إلى اتساع لا حدود له عجيب، فيه ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.
عندها تنسحب ذات من ذاتي لتصبح الذات في كل الوجود.
عندها أدرك أنّي لست – بإنّي – ، بل جوهر فيه كل الأشياء.
عندها أشاهد الله جهرةً لأني لم يبق شيء مني .
عندها أعرف يقينا بأني مخلوق من الخلود و إلى الخلود أبداً أعود.
فيا جمال الزمان و أنت علامةْ ، و آية الرجوع إلى الأوطانِ.
و هكذا منذ البدءِ كلما بَرَقَ بَرْقٌ بداخلي، أعرف أني من نسل نور أتيت و إلى النور أعود.
عندها أدرك أن جسدي المادي يلف حول بعض الأشواك و الشهوات علّه يحقق سعادته المضمحلة الفانية التي تنتهي دوما بالموت .
و لكني أنسحب إلى منظومة جسدية أخرى و كأنها أجساد النعيم و كأن جسم الغبطة الذي أرتدي في تلك اللحظات أصبح واضحا موجود .
و من ينكر على صاحب الحلم حلمه البديع .
إي و ربي إنه لحقٌ !!
ها أنا ألتف بجسم الغبطة حول مركزية وجوده فيَّ حيث التعبد في محراب الذات بعيدا عن الالتفاف التعبدي في طقوس و تكاليفَ كانت فَرْضاً و أصبح لها معنىً في باطن الذات.
فالهرولة و التلبية أصبحت نقيةً مرئية في تسريع العجلات الطاقية الأعلى.
و ها هو موج – الله أكبر – قد تجرد من الصوت ليُسمَعَ أكثر و أنقى و أكبر.
هناك تلتف الساق بالساق بانسجام و اتساق لتكتمل طاقة المخلوق الخلاّق، و إلى ربك يومئذٍ المساق .
هناك يلتف جسم المحبة حول المحبة بالذات.
و هذه قمة العبادة التي لا يمكن الولوج إليها إلا لمن حقق :
– و الذي يفنى يشاهد كل أسرار الوجود –
أعطني منها و زدني بل و حطم كأس الكثافة و الفكر، لنصبح في دار المقر، حيث العبادة في مسجد الساجد بالجسد عنوان.
فأنت و الله متحدان حيث مقام الوصل و الاتصال، وليس عبادةٌ في مقام الانفصال، أي أنت شيء و هو غيرك،
أما الآن: فأنت هو و حقيقتك هي عين باطنه،
الله أكبر لقد صدق الحلاج في : أنا الحق .
و لم يبقَ في البُرْدَة إلا الله ..
"و لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا".
فلا وجود إلا لله، واحد أحد، فرد الظهور الصمد..
و لكنا لا نزال نرى ذاتا غيره، و إرادة سواه، فأصبحنا في منفى عن جنة رؤاه ..
إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي فيه يقال : "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي، و ادخلي جنتي"
د.نواف الشبلي
415
9
1 Guest(s)