قريتي الراحلة.

  • قريتي …
    يا تلك البقعة الصغيرة المنتشرة في شرايين نفسي …
    كانت منازلك القديمة و طرقات الضيقة تحتل صفحات ٍ كثيرة من كتاب قلبي …
    كانت فوانيس السهرة التي تجمع شبابك ليلاً تعذبني في غربتي …
    تهز مشاعري و تشعل شمعة الذكرى في ليل و حدتي.
  • كنت أتذكر كثيراً طيبة اهلك و حسن نياتهم و نقاء نفوسهم …
    و طهارة محبتهم لبعضهم و مساعدتهم لبعض …
    عندما أشعر أن الوجود قد اختفى منه الحب و الوفاء و الإخلاص …
    كنت أتذكر هوائك العليل عندما تلفح الحرارة تقاسيم وجهي …
    و عندما كانت تخطر ببالي المرأة أتذكر فتياتك يا قريتي …
    أتذكرهن عندما ينهضن مبكراً للعمل بمزارعهن ولجلب الماء من البئر لأهلهن.
  •  أتذكر ذلك الحجاب الذي كان يستر وجوههن …
    و ذلك الغطاء الذي يغطي رؤوسهن …
    أتذكر شبابك الذي كانوا يمتلأون قوة ونشاطاً ورجولة …
    أتذكرهم و عندما أتذكر كل هذا أزداد رغبة في الرجوع إليك.
  • وها أنا عدت إليك …
    وكم تمنيت أني لم أعد ؟…
    احترقت صفحات الذكريات الجميلة …
    التي كنت احفظها عنك في كتاب ذكرياتي …
    فلم تعودي قريةً … يا قريتي …
    فلم أجد بُداً من أن أخاطبك … يا مدينتي …
    لقد تغير كل شيء منازلك القديمة أصبحت قصوراً …
    وعمائر تضايق السحب بالسماء وهوائك العليل …
    اختلط مع بقايا نفايات المصانع القريبة منك …
    لم يعد هنالك شجرٌ اخضر …
    المزارع حلت مكانها ملاعب لكرة القدم …
    وشيوخك لم يعد أحد يجتمع مع الآخر …
    فالكل أصبح يمتلك مؤسسة لا يهمه سواها …
    وشبابك الميسور منهم يملك سيارة يلهو بها و يتسابق مع أصدقائه …
    والآخر يلعب الكرة و يحلم أن يصبح يوماً لاعباً مشهوراً …
    حتى فتياتك لم يعد هنالك مزارع يعملن بها …
    والماء يصل إلى المنزل عبر أنابيب المياه …
    والمطبخ يمتلئ بالخادمات و ليس لديهن سوى الجلوس أمام المرآة …
    وتصفح مجلات الأزياء.
  • قريتي الراحلة …
    أعمدة الإنارة قضت على فوانيسك القديمة …
    والبيوت الكبيرة الحديثة غطت على منازلك العتيقة …
    والتقدم السريع قضى على الحب في نفوس من كانوا يوماً سكانك …
    تناسى بعضهم بعضاً و لم يعد أحد يهتم بالآخر …
    كل هذا حصل …
    عندما أصبح الواحد منهم يتحدث بالهاتف …
    مع أي شخص في أي مكان بالعالم و هو مستلقٍ على فراشه …
    ويده تتفقد دفتر شيكاته (بجيب بيجامته).
  • ها أنا أحمل حقيبتي لأعود من حيث أتيت …
    لأنني لم أجد ما جئت من أجله …
    لقد أضعت قريتي بداخل نفوس سكان مدينتي …
    وداعاً ، إني راحل … يا قريتي الراحلة.

                      الفيصل، ع س 

1 رد على “قريتي الراحلة.”

  1. كولب ارض الحضارة

    قوم قرب المركب و خلي الشباب يركب
    ‫
    سوق معاك ،، ومحبوبنا كالكوكب و ما نور ليالينا #وسوق معاك في الرحله شادينا خضرة من ارض المحنة كولب وشايلة من منقة كولب لونا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *