هكذا علمتني الحياة :
مصطفى السباعي – الفصل الثاني عشر.

الفصل الثاني عشر – في العيد

·    اليوم تراق دماء الأضحيات في منى بين فرح الحجاج و تكبيرهم ، و ما فرحتهم لأنهم أراقوا دماً ، بل لأنهم أدوا فريضة ، و فعلوا واجباً ، و تعرَّضوا لنفحات الله في عرفات ، فهنيئاَ لمن قبله الله منهم ، و لمَ لا يقبلهم جميعاً ، إلا ظالماً أو مغتصباً أو قاطع طريق من أميرٍ أو حاكم ، أو غني أو قوي ؟ .

·       العيد فرصة أتاحها الله أو أتاحها الناس ، لنسيان همومهم و متاعبهم .

·       في المجتمع المتماسك ، يكون العيد عيداً لجميع أبناء الأمة ، و في المجتمع المتفكك يكون العيد عيداً لأقوام و مأتماً لآخرين .

·    العاقل يرى في العيد فرصة للطاعة ، من صلة رحمٍ ، و إغاثة ملهوف ، و بر فقير .
الجاهل يرى في العيد فرصة للمعصية ، يعبُّ فيها من الشهوات عبًّا .
الغافل يرى في العيد فرصة للعبث ، يتفلَّت فيها من قيود الحشمة والوقار ، و كذلك يرى الأطفال العيد.

·       ليس العيد لمن زاد فيه همومه ، و لكنه لمن أنقص منها همًّا ، و نستطيع بالإيمان بالقضاء و القدر أن نجعل من كل يوم لنا عيداً .

·    العيد يعطينا درساً اجتماعيًّا عظيم النفع ، ذلك أن الفرح العام أعمق أثراً في النفس من الفرح الخاص الذي لا يشارك فيه الآخرون ، ففي العيد تدخل الفرحة كل قلب حتى المحزونين والمرضى ، و المثقلين بالأعباء ، و هي فرحة ليست نابغة من نفوسهم بل من مجتمعهم و محيطهم، ففرحة المجتمع تطغى على آلام الفرد ، و لكنَّ فرحة الأفراد لا تغطي آلام المجتمع ، و لذلك كان العيد تنمية للشعور الاجتماعي في أفراد الأمة .

·       في الإسلام عيدان :
أحدهما بعد طاعة عامة و هو عيد الفطر .
ثانيهما بعد طاعة خاصة وهو عيد الأضحى .
و لكن الإسلام يعتبر الطاعة الخاصة ذات نفع عام ، فألزم غير الحجاج أن يفرحوا بتمام فريضة الحج ، مشاركة في الشعور ، و اعترافاً بفضل العاملين .

·       افرحوا بالعيد :
أيها المرهقون بالآلام ، افرحوا بالعيد ، لأن آلامكم تخفُّ بالمواساة فيه .
أيها المثقلون بالأعباء ، افرحوا بالعيد ، لأن أعباءكم ألقيت عن عواتقكم قليلاً .
أيها المثخنون بالجراح ، افرحوا بالعيد ، لأن جراحكم قد وجدت من يضمِّدها .
أيها المحرومون من النعيم ، افرحوا بالعيد ، لأن أيام حرمانكم قد نقصت فيه بضعة أيام .
أيها الموجعون بالأحزان ، افرحوا بالعيد ، لأنه أعطاكم أياماً لا تحزنون فيها.
أيها المنهكون بالمصائب ، افرحوا بالعيد ، لأنه يمنحكم أملاً بانتهاء مصائبكم .

·    لو كبَّرت قلوب المسلمين كما تكبِّر ألسنتهم بالعيد ، لغيَّروا وجه التاريخ ، و لو اجتمعوا دائماً كما يجتمعون لصلاة العيد ، لهزموا جحافل الأعداء ، و لو تصافحت نفوسهم كما تتصافح أيديهم لقضوا على عوامل الفرقة ، و لو تبسمت أرواحهم ، كما تتبسم شفاههم لكانوا مع أهل السماء ، و لو ضحوا بأنانياتهم كما يضحون بأنعامهم لكانت كل أيامهم أعياداً ، و لو لبسوا أكمل الأخلاق كما يلبسون أفخر الثياب لكانوا أجمل أمة على ظهر الأرض .

·       لو عرف المسلمون مغزى العيد كما أراده الإسلام ، لكان عيدهم الأكبر يوم يتمّ لهم تحرير الوطن الأكبر .

·       إن عيداً في الأرض يضحك فيه أناس و يبكي آخرون هو مأتم عند أهل السماء .

·       اجتهد أن يفرح أولاد جارك بالعيد ، كما يفرح أولادك لتتم لأولادك فرحتهم .

·    أعمق التقاليد جذوراً ما كان منها متَّصلاً بالدين ، و في العيد تقاليد كضرب المدافع ، لو ألغيت لهاج الناس لها كما يهيجون لإلغاء العيد نفسه ، و مع ذلك فلست أرى إلغاء مثل هذه التقاليد .

·       حين تصبح الأعياد الدينية تقاليد قومية ، تفقد في النفوس معناها، و في المجتمع آثارها ، و تصبح فرصة للراحة أو العبث.