التائه : جبران خليل جبران.

  • اللؤلؤة :
    قالت محارة لمحارة تجاورها : إن بي ألماً جد عظيم في داخلي . إنه ثقيل
    ومستدير . و أنا معه في بلاء و عناء .
    وردت المحارة الأخرى بانشراح فيه استعلاء : الحمد للسماوات و البحار . لا أشعر
    في سري بأي ألم . أنا بخير وعافية داخلا و خارجا .
    ومر في تلك اللحظة سرطان مائي , سمع المحارتين وهما تساقطان الحديث .
    و قال للتي هي بخير و عافية داخلا و خارجا : نعم ! أنت بخير وعافية . ولكن الألم
    الذي تحمله جارتك في داخلها إنما هو لؤلؤة ذات جمال لا حد له .
  • أغنية الحب :
    نظم شاعر مرة أغنية حب . وكانت رائعة .وكتب عدة نسخ عنها و أرسلها
    إلى أصدقائه و معارفه من الرجال و النساء على السواء , ولم ينس أن
    يرسلها حتى إلى إمرأة شابة لم يسبق له أن شاهدها سوى مرة واحدة .
    و كانت هذه تقيم وراء الجبال .و جاءه رسول من قبل تلك الشابة , بعد يوم
    أو يومين يحمل رسالة تقول له فيها : دعني أؤكد لك أنني تأثرت تأثرا عميقا
    بأغنية الحب التي نظمتها لي . تعال الأن , وقابل والدي ووالدتي , وسنتخذ
    التدابير التي تقتضيها الخطبة .
    و كتب الشاعر جواب الرسالة , و قال لها فيها : لم تكن يا صديقتي سوى
    أغنية حب صدرت عن قلب شاعر , يغنيها كل رجل لكل امرأة .
    و كتبت إليه ثانية تقول : أيها الكاذب الخبيث في كلماتك ! سأقيم منذ اليوم
    إلى ساعة أجلي , على كراهية الشعراء جميعهم بسببك ! .
  • ملابس :
    تلاقى الجمال و القبح ذات يوم على شاطىء البحر . فقال كل منهما للأخر :
    هل لك أن تسبح ؟ ثم خلعا ملابسهما , وخاضا العباب . وبعد برهة عاد
    القبح إلى الشاطىء و ارتدى ثياب الجمال , ومضى في سبيله .
    و جاء الجمال أيضا من البحار , ولم يجد لباسه , وخجل كل الخجل أن يكون
    عاريا و لذلك لبس رداء القبح , ومضى في سبيله .
    ومنذ ذلك اليوم , والرجال و النساء يخطئون كلما تلاقوا في معرفة بعضهم
    البعض . غير أن هنالك نفرا ممن يتفرسون في وجه الجمال , ويعرفونه رغم
    ثيابه .و ثمة نفر يعرفون وجه القبح , و الثوب الذي يلبسه لا يخفيه عن أعينهم .
  • جسد و روح :
    جلس رجل و امرأة بجانب شباك يطل على الربيع , وكانت جلستهما تجعلهما
    جد متقاربين . فقالت المرأة : أنا أحبك . أنت جميل و غني و أنت أبدا و دائما
    على جانب كبير من الجاذبية .
    و قال الرجل : و أنا أحبك . أنت فكرة جميلة . بل أنت شيء تسامى عن أن
    تناله يد أنت أغنية في حلمي !
    غير أن المرأة أدارت وجهها عنه و انفلتت غاضبة و قالت : أرجوك أيها السيد أن
    تفارقني منذ اللحظة , فأنا لست فكرة , ولا شيئا يطوف بك في أحلامك .
    أنا امرأة و أود أن تشتاق إلي , أن تشتهيني . أنا زوجة و أم لأطفال لم يولودوا
    بعد . و افترقا …
    و قال الرجل في سره : هاهو ذا حلم أخر تبدد منذ الأن , وتحول إلى ضباب .
    و قالت المرأة , وهي تتأمل وحيدة : مالي و لرجل يحولني إلى ضباب وحلم ؟ .
  • المبادلة :
    لقي شاعر فقير مرة غنيا غبيا عند ملتقى طرق .
    ودار بينهما حديث طويل . وكان كل ما قالاه ينم عن استياء و سخط .
    و لا شيء سوى سخط و استياء .
    ومر أنذاك ملاك الطريق ووضع يده على كتف الرجلين .
    و إذا بمعجزة تتحقق: لقد انتقلت أملاك كل منهما للأخر .
    ثم انصرفا .
    وكان أغرب ما جرى لهما أن الشاعر نظر فلم يجد في يده شيئا سوى رمل جاف
    متحرك . و الغبي أغمض عينيه و لم يشعر بشيء سوى غيمة متحركة في قلبه .
        =============
         خاص بموقع إبحار     إنتقاء : الفيصل
        من كتاب التائه لـ جبران خليل جبران
        كتاب التائه يقع في 128 صفحة
        الناشر مؤسسة بحسون للنشر و التوزيع
        الطبعة الأولى 1993