
- اللؤلؤة :
قالت محارة لمحارة تجاورها : إن بي ألماً جد عظيم في داخلي . إنه ثقيل
ومستدير . و أنا معه في بلاء و عناء .
وردت المحارة الأخرى بانشراح فيه استعلاء : الحمد للسماوات و البحار . لا أشعر
في سري بأي ألم . أنا بخير وعافية داخلا و خارجا .
ومر في تلك اللحظة سرطان مائي , سمع المحارتين وهما تساقطان الحديث .
و قال للتي هي بخير و عافية داخلا و خارجا : نعم ! أنت بخير وعافية . ولكن الألم
الذي تحمله جارتك في داخلها إنما هو لؤلؤة ذات جمال لا حد له . - أغنية الحب :
نظم شاعر مرة أغنية حب . وكانت رائعة .وكتب عدة نسخ عنها و أرسلها
إلى أصدقائه و معارفه من الرجال و النساء على السواء , ولم ينس أن
يرسلها حتى إلى إمرأة شابة لم يسبق له أن شاهدها سوى مرة واحدة .
و كانت هذه تقيم وراء الجبال .و جاءه رسول من قبل تلك الشابة , بعد يوم
أو يومين يحمل رسالة تقول له فيها : دعني أؤكد لك أنني تأثرت تأثرا عميقا
بأغنية الحب التي نظمتها لي . تعال الأن , وقابل والدي ووالدتي , وسنتخذ
التدابير التي تقتضيها الخطبة .
و كتب الشاعر جواب الرسالة , و قال لها فيها : لم تكن يا صديقتي سوى
أغنية حب صدرت عن قلب شاعر , يغنيها كل رجل لكل امرأة .
و كتبت إليه ثانية تقول : أيها الكاذب الخبيث في كلماتك ! سأقيم منذ اليوم
إلى ساعة أجلي , على كراهية الشعراء جميعهم بسببك ! . - ملابس :
تلاقى الجمال و القبح ذات يوم على شاطىء البحر . فقال كل منهما للأخر :
هل لك أن تسبح ؟ ثم خلعا ملابسهما , وخاضا العباب . وبعد برهة عاد
القبح إلى الشاطىء و ارتدى ثياب الجمال , ومضى في سبيله .
و جاء الجمال أيضا من البحار , ولم يجد لباسه , وخجل كل الخجل أن يكون
عاريا و لذلك لبس رداء القبح , ومضى في سبيله .
ومنذ ذلك اليوم , والرجال و النساء يخطئون كلما تلاقوا في معرفة بعضهم
البعض . غير أن هنالك نفرا ممن يتفرسون في وجه الجمال , ويعرفونه رغم
ثيابه .و ثمة نفر يعرفون وجه القبح , و الثوب الذي يلبسه لا يخفيه عن أعينهم . - جسد و روح :
جلس رجل و امرأة بجانب شباك يطل على الربيع , وكانت جلستهما تجعلهما
جد متقاربين . فقالت المرأة : أنا أحبك . أنت جميل و غني و أنت أبدا و دائما
على جانب كبير من الجاذبية .
و قال الرجل : و أنا أحبك . أنت فكرة جميلة . بل أنت شيء تسامى عن أن
تناله يد أنت أغنية في حلمي !
غير أن المرأة أدارت وجهها عنه و انفلتت غاضبة و قالت : أرجوك أيها السيد أن
تفارقني منذ اللحظة , فأنا لست فكرة , ولا شيئا يطوف بك في أحلامك .
أنا امرأة و أود أن تشتاق إلي , أن تشتهيني . أنا زوجة و أم لأطفال لم يولودوا
بعد . و افترقا …
و قال الرجل في سره : هاهو ذا حلم أخر تبدد منذ الأن , وتحول إلى ضباب .
و قالت المرأة , وهي تتأمل وحيدة : مالي و لرجل يحولني إلى ضباب وحلم ؟ . - المبادلة :
لقي شاعر فقير مرة غنيا غبيا عند ملتقى طرق .
ودار بينهما حديث طويل . وكان كل ما قالاه ينم عن استياء و سخط .
و لا شيء سوى سخط و استياء .
ومر أنذاك ملاك الطريق ووضع يده على كتف الرجلين .
و إذا بمعجزة تتحقق: لقد انتقلت أملاك كل منهما للأخر .
ثم انصرفا .
وكان أغرب ما جرى لهما أن الشاعر نظر فلم يجد في يده شيئا سوى رمل جاف
متحرك . و الغبي أغمض عينيه و لم يشعر بشيء سوى غيمة متحركة في قلبه .
=============
خاص بموقع إبحار إنتقاء : الفيصل
من كتاب التائه لـ جبران خليل جبران
كتاب التائه يقع في 128 صفحة
الناشر مؤسسة بحسون للنشر و التوزيع
الطبعة الأولى 1993